بحث شرعى 1



فـي التطليـق للعـيب
قد تدخل الزوجة بزوجها، فيكتشف أحدهما أن بالآخر عيباً، لا يمكن المقام معه إلا بضرر بين، فهل يجوز لمن اكتشف هذا العيب طلب التفريق؟
للإجابة على ذلك يلزم توضيح الأمور الآتية:-
1- مدى جواز التفرق بين الزوجيين للعيب.
2- العيوب التى يجوز التفريق بسببها.
3- من يحق له من الزوجين طلب التفريق، وهل يشترط خلوه من العيوب؟
4- هل طلب التفريق يثبت على الفور أم على التراخي؟
5- ما نوع التفريق بسبب العيب؟
6- موقف القانون والقضاء في مصر من التفريق للعيب.
أولاً: مدى جواز التفريق بين الزوجين للعيب:
       اختلف الفقهاء في التفريق بين الزوجين للعيب، من حيث الجواز وعدمه إلى ثلاثة أراء: فمنهم من منع ذلك بإطلاق وفي جميع الأحوال، ومنهم من أجاز لكل عيب مستحكم، ومنهم – وهم الجمهور – من أجاز التفريق لعيوب محددة وفيما يلي عرض موجز لهذه الآراء الثلاثة:-
(‌أ) الرأي الأول وهو للظاهرية، وحيث ذهبوا إلى منع التفريق بين الزوجين بسبب العيب، أياً كان نوعه وسواء كان هذا العيب من الرجل أم في المرأة وقد أختار هذا الرأي الإمام الشوكاني.
(‌ب)  الرأي الثاني وهو لابن القيم وبعض الفقهاء، حيث ذهبوا إلى جواز التفريق لكل عيب مستحكم، سواء كان بالرجل أم بالمرأة، لأن الزواج لا يتحقق المقصود منه من السكن والمودة والرحمة بوجود عيب في أحد الزوجين، ولأن عقد الزواج تم بينهما على أساس شرط السلامة من العيوب، وإن لم ينص على ذلك في العقد صراحة، إذ هو كالمشروط شرطاً، فإذا وجد أحدهما بالآخر عيباً، كان له الخيار في طلب التفريق، لاختلال شرط السلامة وفي هذا يقول ابن القيم:-
"وأما الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية، دون ما هو أولى منها أو مساو لها، فلا وجه له فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما ، أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة، فهو كالمشروط عرفاً، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عن  لمن تزوج إمراة وهو لا يولد له: أخبرها أنك عقيم وخيرها ...والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح، أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسوله مغروراً قط ولا مغبوناً بما غربه وغبن به، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح، لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة"
(‌ج)  الرأى الثالث: وهو لجمهور الفقهاء، حيث ذهبوا إلى المتوسط بين الرأيين السابقين، فأجازوا التفريق لعيوب معينة بأسمائها أو بأوصافها، وهى العيوب التى تخل بالمقصود أصلاً من الزواج، وبالحكمة التى من أجلها شرع، أو التى يترتب عليها إلحاق ضرر بالطرف الآخر لا يمكنه احتماله وممن قال بذلك أبى حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل على خلاف بينهم في بعض التفاصيل
ثانياً: العيوب التي يجوز التفريق بسببها:
مع إتفاق الجمهور على جواز التفريق بين الزوجين لعيوب معينة، فإنهم اختلفوا فيما بينهم في تحديد هذه العيوب:
(أ‌) فذهب الحنيفة: إلى أنها ثلاثة عيوب وهى : العُنَّة، والجَبّ، والخصاء، لأنها تمنع التناسل وتفوت المقصود من الزواج فإذا كان الزوج عنيناً أو مجبوباً أو خصياً، جاز لزوجته طلب التفريق لهذه العيوب الثلاثة، وذلك بإتفاق الحنفية وزاد الإمام محمد بن الحسن على هذه العيوب: الجنون والجذام والبرص، فكما يجوز أن تطلب التفريق للعيوب المانعة للتناسل، فلها أيضاً أن تطلب التفريق للجنون أو الجذام أو البرص، لأنها من العيوب المنفرة التى يلحق الزوجة بسببها ضرر غير محتمل وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"أو بأوصافها وهي العيوبوهى  وقال الحنفية، يوافقهم – أيضاً – جمهور الفقهاء: إن الزوجة خاصمت زوجها لدى القضاء بسبب العُنة أجله القاضي سنة فإن وصل إليها، وإلا فرق بينهما إن طلبت الزوجة ذلك وإنما يؤجله القاضي سنة لاحتمال أن يكون عدم وصوله إليها لمرض، أو لبغضه إياها، أو لآفة أصلية لا علاج لها، فجعلت السنة وسيلة لمعرفة ذلك فإن كان عدم وصوله إليها لبغضه لها، فإنه يجتهد في الوصول إليها في هذه المدة غالباً دفعاً للعار عن نفسه وإن كان عدم الوصول لمرض، كانت السنة وسيلة لمعرفة ذلك أيضاً، لاشتمالها على الفصول الأربعة، فإن كان المرض من برودة أزاله حر الصيف، وإن كان من حرارة أزاله برد الشتاء، وإن كان من البرودة والحرارة معاً أزاله إعتدال الجو في الربيع والخريف فإذا مضت السنة ولم يصل إليها علم أن ذلك لآفة أصلية، فيفرق القاضي إن طلبت الزوجة ذلك.
(ب‌)  وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى موافقة الحنيفة في القول بالعيوب التناسلية الثلاثة وهى العنة والجب والخصاء ووافقوا الإمام محمد بن الحسن في قوله بالجنون والجذام والبرص وزاد المالكية والحنابلة على ذلك عيوباً أخرى سواء في الرجل أو المرأة.
ثالثاً: من يحق له من الزوجين طلب التفريق للعيب وهل يشترط خلوه من العيوب؟"
ذهب إلامام أبو حنيفة وأصحابه إلى أن من يحق له من الزوجين طلب التفريق للعيب، هو الزوجة فقط، أم الزوج فلا يحق له ذلك، لأنه يمكنه الخلاص من الزوجة المعيبة، وإزالة الضرر عن نفسه بالطلاق، وإذ هو بيده ويملك إيقاعه في أي وقت، ولا داعي للجوئه إلى القضاء لطلب التفريق، لما في ذلك من التشهير بالزوجة.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أحقية كل من الزوجين في طلب التفريق، إذ وجد بالآخر عيباً من العيوب المنصوص عليها، سواء في ذلك العيوب المشتركة بينهما وهي الجنون والجذام والبرص أو العيوب الخاصة بالزوج وهى العنة والجب والخصاء أو الخاصة بالزوجة وهي التي تحول بين الزوج وبين إتمام إتصاله بالزوجة، كإنسداد موضع الاتصال، ونحو ذلك ما هو مفصل في موضوعه من كتب الفقه لهذه المذاهب الثلاثة.
وفائدة إعطاء الزوج الحق في طلب التفريق، يسبب العيب الذي يكشفه في زوجته، هو رجوعه عليها بالمهر إن لم يمسها أو يختلي بها خلوة صحيحة فإن مسها أو اختلى بها، استحقت المهر كاملاً، ورجع به الزوج على وليها الذي دلس عليه يشهد ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه:-"أيما إمراة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها"
وروي عن عمر رضي الله عنه قال:- "إذا تزوجها برصاء أو عمياء، فدخل بها فلها الصداق، ويرجع به على من غره".
وأما عن شرط خلو الزوج المطالب بالتفريق للعيب من العيوب، حتى يمكن إجابته إلى طلبه، فقد ذهب إلى ذلك الحنفية، فقالوا إنه حتى تجاب الزوجة إلى طلبها بالتفريق لوجود عيب في زوجها، فيجب أن تكون هى خالية من أى عيب يمنع الاتصال بها، إذ أن الزوج في حال وجود عيب بها من هذا النوع، لا يمكنه الاتصال بها، حتى ولو كان سليماً فيتبين حينئذ أن المانع من الاتصال لم يكن بسبب عيب الزوج وحده ، وإنما وجد معه سبب أخر من جهتها، لذا يتعين عدم إجابتها لطلبها بالتفريق.
وذهب الأئمة الثلاثة .. مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى عدم اشتراط هذا الشرط حيث يجوز عندهم لأى من الزوجين أن يطلب التفريق لوجود عيب بالآخر، حتى ولو كان الطالب به عيب، سواء كان من نفس النوع الموجود بالآخر، أو مختلفاً عنه، لأن الانسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه.
رابعاً: هل طلب التفريق للعيب يثبت على الفور أم على التراخي؟
ذهب مالك والشافعي إلى أن طلب التفريق للعيب، يثبت على الفور فإذا اكتشف أحد الزوجين عيباً في الآخر، فسكت مدة يمكنه فيها أن يرفع أمره إلى القاضي، فلم يفعل، فإن سكوته يعتبر رضا بالعيب، ويسقط حقه في طلب التفريق بعد ذلك بسبب هذا العيب. وذهب الحنفية والإمام أحمد إلى أن هذا الطلب يثبت على التراخي، لأن طلب التفريق شرع لدفع ضرر متحقق، فكان على التراخي، فلا يسقط ما لم يوجد من مكتشف العيب ما يدل على الرضا به، من قول ونحوه كالاستمتاع من الزوج، أو التمكين من الزوجة.
خامساً: نوع التفريق بسبب العيب:
يري الحنفية والإمام مالك أن التفريق بسبب العيب، يكون طلاقاً بائناً، لأن كل فرقة تكون من الرجل أو بسببه تكون طلاقاً ولما كان المقصود من الفرقة بسبب العيب هو إزالة الضرر كان الطلاق بائناً حتى تتحقق الحكمة منه إذ لو كان الطلاق رجعياً، لجاز له مراجعتها في العدة، فلا يتحقق المقصود، وهو مفارقة الزوج بسبب العيب. ويري الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل أن التفريق عن طريق القاضي بسبب العيب، يكون فسخاً للعقد، لأن كل فرقة لا يوقعها الزوج تكون فسخاً، وهذا بخلاف الطلاق، فإن الذي يوقعه هو الزوج.
سادساً: موقف القانون والقضاء في مصر من التفريق للعيب:
قبل صدور القانون رقم 25 لسنة 1920 كان المعمول به قضاء في مصر بمقتضى مذهب أبي حنيفة الذي يوافقه عليه جمهور الفقهاء، هو التفريق للعيوب التناسلية في الزوج، وهى العنة والجب والخصاء على ما وضحناه من قبل.
ولما صدر القانون رقم 25 لسنة 1920 أجاز للزوجة في مادته التاسعة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها، إذا وجدت به عيباً مستحكماً لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر، وذكر القانون أمثلة على ذلك: الجنون والجذام والبرص سواء كان ذلك العيب موجوداً بالزوج قبل العقد، ولم تعلم به، أم حدث بعد العقد، ولم ترض به فإن تزوجته عالمة بالعيب أو حدث هذا العيب بعد العقد، ورضيت به صراحة أو دلالة بعد علمها به فلا يجوز لها طلب التفريق.
ونص هذا القانون في مادته العاشرة، على أن الفرقة بسبب العيب تكون طلاقاً بائناً وهذا يعني أن الزوج لا يستطيع مراجعة زوجته التى طلقت منه للعيب إلا برضاها وبعقد ومهر جديدين إلا إذا كان هذا الطلاق مكملاً للثلاث، فيضاف إلى هذه الشروط شرط أخر وهو أن تتزوج شخصاً أخر زواجاً شرعياً صحيحاً ثم يتوفي عنها أو يطلقها لأي سبب من الأسباب
كما نص هذا القانون في مادته الحادية عشرة، على أن يستعان بأهل الخبرة، كالأطباء ونحوهم، في معرفة العيوب التى تطلب الزوجة التفريق بسببها.
ولنا على هذا القانون الملاحظات الآتية
أولاً: أنه جعل حق طلب التفريق للعيب مقصوراً على الزوجة، أخذاً بمذهب أبي حنيفة وأصحابه أما الزوج فلم يجعل له الحق في ذلك لأنه يمكنه مفارقة زوجته إذا وجد بها عيباً، عن طريق الطلاق الذي يوقعه الزوج بنفسه وإرادته المنفردة، لا يشاركه فيه أحد غيره.. وكان من مقتضي العدل أن يعطي هذا القانون حق طلب التفريق للزوج – أيضاً – إذا وجد في زوجته عيباً من العيوب التى نص عليها هذا القانون، أو تلك الخاصة بالمرأة، أخذا بمذهب الأئمة الثلاثة، وذلك إذا كانت الزوجة قد أخفته عن الزوج، ولم تخبره به هي أو وليها، إلى أن دخل بها واكتشف هذا العيب، حتى يتمكن الزوج في هذه الحال من استرداد المهر، إن لم يمسها أو يختلي بها خلوة صحيحة فإن مسها أو أختلى بها استحقت المهر كاملاً، ورجع به الزوج على وليها الذي دلس عليه، على ما سبق توضيحه.
ثانياً: أن العيوب التي ذكرها هذا القانون وهي الجنون والجذام والبرص وهى مجرد أمثلة للعيب المستحكم الذي لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل بحيث لا يمكن للزوجة المقام معه إلا بضرر وبناءاً على ذلك فكل عيب تحققت فيه هذه الأوصاف، يجوز للزوجة أن تطلب التفريق من زوجها استناداً إليه، ويدخل في ذلك بداهة العيوب التناسلية وهي العنة والجب والخصاء كما يدخل في ذلك أيضاً أى مرض أو عيب تحققت فيه الأوصاف السابقة ومن ذلك المرض الذي ظهر أخيراً وهو مرض نقص المناعة أو ما يطلق عليه (الإيدز).
ثالثاً: أن القانون حين نص على هذه العيوب الثلاثة وهي الجنون والجذام والبرص كأمثلة للعيوب التى تجيز للزوجة طلب التفريق قد أخذ في ذلك بمذهب الإمام محمد بن الحسن الذي يوافقه عليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد ابن حنبل لذلك يرجع عند تفسير نصوص هذا القانون الخاصة بالتفريق للعيب إلى كتب الفقه لمذاهب هؤلاء الأئمة الثلاثة وإلى ما ورد في كتب المذهب الحنفي شارحاً وموضحاً لرأى الإمام محمد.